عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.

رضوى عاشور.. أيقونة من التاريخ

تقرير

المراية

منى حامد

5/17/20251 دقيقة قراءة

"أكتب... لأنني أحب الكتابة،

وأحب الكتابة... لأن الحياة تستوقفني، تُدهشني، تشغلني، تستوعبني، تُربكني، وتُخيفني، وأنا مولعةٌ بها."

رضوى عاشور

وُلدت رضوى عاشور في القاهرة في السادس والعشرين من مايو عام 1946، لعائلة أدبية وعلمية. فوالدها، مصطفى عاشور، كان محاميًا ومثقفًا ملمًا بمختلف فنون الأدب، ووالدتها مي عزام كانت شاعرة وفنانة. أما جدها، عبد الوهاب عزام، فكان دبلوماسيًا وأستاذًا للأدب والدراسات الشرقية في جامعة القاهرة، وهو أول من ترجم "كتاب الملوك" الفارسي (شاهناما) إلى اللغة العربية، فضلًا عن ترجمته لكلاسيكيات شرقية أخرى.

أشارت رضوى لاحقًا في كتاباتها إلى أنها ترعرعت على قراءة النصوص الشعرية للأدب العربي، وهو ما ترك أثرًا واضحًا في كتاباتها فيما بعد، حيث امتزج الأدب بالتاريخ والسياسة والهوية.

التحقت رضوى بكلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية، ثم حصلت على الماجستير عام 1972. لاحقًا، سافرت إلى الولايات المتحدة لاستكمال دراستها، حيث نالت الدكتوراه من جامعة ماساتشوستس عام 1975، وكان موضوعها عن الأدب الأمريكي الإفريقي. عادت بعدها إلى القاهرة لتعمل في جامعة عين شمس، وسط ظروف داخلية وخارجية كثيرًا ما كانت صعبة.

عاشت رضوى مراحل الطفولة والمراهقة والشباب في زمن عربي مضطرب سياسًيا واجتماعيًا، مما شكّل وعيها وساهم في انخراطها، مثل كثير من أبناء جيلها، في السياسة، فكانت ترى أن السياسة تشرح الحاضر، والتاريخ يحفظ الماضي ويخلّد تراث الشعوب.

تعرفت رضوى على زوجها الشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي خلال دراستهما في جامعة القاهرة. وكان مريد قد جاء من قريته دير غسانة قرب رام الله للدراسة في كلية الآداب عام 1963. تخرج عام 1967، وهو العام الذي احتلت فيه إسرائيل الضفة الغربية ومنعت الفلسطينيين خارج البلاد من العودة.

كتب البرغوثي عن هذه التجربة في كتابه الشهير رأيتُ رام الله:

"نجحت في الحصول على شهادة تخرّجي، وفشلت في العثور على حائط أعلّق عليه شهادتي."

لم يتمكن من العودة إلى رام الله إلا بعد ثلاثين عامًا من التنقل بين المنافي.

في عام 1970، تزوجت رضوى من مريد، وأنجبا ابنهما الوحيد، الشاعر تميم البرغوثي. وكان لزواجها من مريد أثر كبير في توسيع رؤيتها السياسية، فمزجت في أعمالها بين الواقع والسياسة والتاريخ، وقدّمت أعمالًا خالدة.

من أبرز أعمالها ثلاثية غرناطة (غرناطة – مريمة – الرحيل)، والتي قالت فيها:

"يُقرّرون عليه الرحيل. يسحبون الأرض من تحت قدميه. ولم تكن الأرض بساطًا اشتراه من السوق، فاصل في ثمنه، ثم مدّ يده إلى جيبه ودفع المطلوب فيه، وعاد يحمله إلى داره وبسطه وتربّع عليه في اغتباط. لم تكن بساطًا، بل أرضًا، ترابًا زرع فيه عمره وعروق الزيتون. فما الذي يتبقى من العمر بعد الاقتلاع؟"

"في المسا يغلقُ باب الدار عليه وعلى الحنين... تأتيه غرناطة... يقول: يا غربتي! راحت غرناطة..."

(رضوى عاشور - ثلاثية غرناطة)

وصفت رضوى هنا مأساة أهل غرناطة لحظة الترحيل، وألم كل من أُجبر على مغادرة وطنه. كان الرحيل عندها موتًا معنويًا، أما البقاء، فهو نجاة بالكرامة والهوية.

وفي روايتها "الطنطورية"، تحكي على لسان المبعدين قهر اللجوء ومعاناة الغربة عن الوطن:

"الذاكرة لا تقتل. تؤلم ألمًا لا يُطاق، ربما. ولكن إذ نُطيقه، تتحول من دوّامات تسحبنا إلى قاع الغرق، إلى بحر نسبح فيه."

(رضوى عاشور – الطنطورية)

تخيّل أن ترى أرضك تُسلب أمام عينيك، وأن تعيش غريبًا في مخيم بعيدًا عن أهلك بعد أن كنت في بيتك وسط قريتك. ما الذي يدفع الإنسان إلى الرحيل سوى أن يحفظ حياة صغاره؟ وتبقى ذاكرة الوطن هي ما يربطك بالحياة.

ثم تنتقل رضوى في كتاباتها من الحديث عن الغرباء خارج أوطانهم، إلى من يعيشون غرباء داخل أوطانهم، أولئك الذين يُنكَرون وتُحارب أصواتهم:

"لا أملك سوى تسليم أمري إلى الله ومواصلة الحياة بعادية، لأنني لست من جنس الأرانب ولا الفئران، بل مخلوق آدمي طوّر على مدى آلاف السنين شيئًا ثمينًا اسمه الكبرياء."

(رضوى عاشور – أثقل من رضوى: مقاطع من سيرة ذاتية)

يتعلم البعض العطاء منذ الصغر، لكن الواقع قد يصدمهم باستغلال عطائهم، فيجحده البعض أو يعتبره حقًا مكتسبًا. لكن ماذا يفعل إن جحده وطنه؟ إن سعى لخنق صوته وقتل روحه؟ لا يملك إلا أن يحتمي بكبريائه، حتى لو خسر كل شيء.

أُصيبت رضوى عاشور بورم في المخ، ورحلت عن عالمنا في 30 نوفمبر 2014. رحلت الكاتبة، والمفكرة، والمناضلة، التي عاشت باحثة عن الحقيقة، عن العدالة، عن الوطن.

رحم الله رضوى عاشور، وأبقى اسمها حيًا في ذاكرة الأدب والتاريخ.