عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.

رئيس في زمن التحولات.. قراءة في مسيرة عبد الفتاح السيسي

المرايةتقرير

أحمد والي

5/15/20251 دقيقة قراءة

‫وُلد عبد الفتاح سعيد حسين خليل السيسي في 19 نوفمبر عام 1954 بحي الجمالية، أحد أحياء القاهرة القديمة ذات الطابع الشعبي.

‫نشأ السيسي في كنف أسرة مصرية بسيطة، وكان والده صاحب محل للأعمال الحرفية في خان الخليلي، مما غرس فيه قيم الالتزام والانضباط، وتلقى تعليمه في مدارس الحي، وبرز اهتمامه بالانضمام للمؤسسة العسكرية مبكرًا، فالتحق بالكلية الحربية وتخرج فيها عام 1977.

‫أظهر خلال مسيرته العسكرية اهتمامًا خاصًا بالتأهيل الأكاديمي، فحصل على زمالة أكاديمية ناصر العسكرية، ودرس في كلية القادة والأركان، كما نال دورة متقدمة في المملكة المتحدة، ودرجة الماجستير في العلوم العسكرية من الولايات المتحدة الأميركية عام 2006، حيث كانت رسالته تتناول العلاقة بين القوات المسلحة والمجتمع المدني، وهو ما اعتُبر لاحقًا مؤشرًا على اهتمامه بالشأن العام.

‫بعد تخرجه، خدم السيسي في سلاح المشاة، وتدرج في المناصب حتى أصبح قائدًا للفرقة 16 مشاة، ثم التحق بجهاز المخابرات الحربية، وهناك بدأ في اكتساب خبرات استراتيجية وأمنية أهلته لاحقًا لشغل مناصب حساسة، حتى أصبح مديرًا لإدارة المخابرات الحربية والاستطلاع عام 2010.

‫ورغم أنه لم يكن من الأسماء البارزة إعلاميًا قبل ثورة 25 يناير، فإن شخصيته المحافظة والهادئة، إلى جانب إلمامه بالملفات السياسية، جعلته خيارًا مفضلًا داخل المؤسسة العسكرية في فترة ما بعد الثورة.

‫الظهور السياسي وتولي وزارة الدفاع

‫في أعقاب فوز محمد مرسي برئاسة الجمهورية في 2012، أصدر مرسومًا جمهوريًا بإقالة وزير الدفاع المشير حسين طنطاوي ورئيس الأركان الفريق سامي عنان، وعين الفريق أول عبد الفتاح السيسي وزيرًا للدفاع وقائدًا عامًا للقوات المسلحة، لفت تعيينه الأنظار كونه أصغر من تولى هذا المنصب في التاريخ الحديث لمصر، حيث لم يكن اسمه متداولًا على نطاق واسع في الأوساط السياسية.

‫ومع تزايد التوترات السياسية بين مؤسسة الرئاسة والقوى المدنية، بدأ السيسي في لعب دور توازني؛ ومع تصاعد الغضب الشعبي في يونيو 2013، خرج ملايين المصريين في الشوارع للمطالبة برحيل الرئيس مرسي.

وبعد مهلة 48 ساعة منحتها القوات المسلحة للفرقاء السياسيين، أعلن السيسي في 3 يوليو 2013، في بيان متلفز، خارطة طريق سياسية جديدة، تم فيها عزل مرسي مؤقتًا من الحكم وتكليف رئيس المحكمة الدستورية العليا عدلي منصور برئاسة مؤقتة.

‫الانتقال من العسكرية إلى السياسة

‫أحدث تدخل السيسي في المشهد السياسي انقسامًا واسعًا بين مؤيدين رأوا في تدخله "إنقاذًا لمصر من الفوضى"، ومعارضين وصفوا ما جرى بأنه "انقلاب على الشرعية الديمقراطية"؛ ورغم الجدل، ازدادت شعبية السيسي في الشارع، خاصة بعد ما وُصف بـ"الحرب على الإرهاب" التي بدأت في سيناء، والإجراءات الأمنية المكثفة التي اتخذتها الدولة لمواجهة التفجيرات والأعمال المسلحة.

‫وفي مارس 2014، أعلن السيسي استقالته من منصبه وزيرًا للدفاع، وترشحه رسميًا لرئاسة الجمهورية، وخاض الانتخابات الرئاسية أمام المرشح اليساري حمدين صباحي، وفاز بنسبة ساحقة بلغت 96.9% من الأصوات، ليؤدي اليمين الدستورية رئيسًا لمصر في يونيو 2014.

‫ملامح الفترة الرئاسية الأولى (2014 – 2018)

‫اتسمت الفترة الأولى من حكم السيسي بتركيز واضح على الاستقرار الأمني، ومواجهة الإرهاب في سيناء والحدود الغربية، كما أطلق عددًا من المشروعات القومية الكبرى، أبرزها: قناة السويس الجديدة التي تم تنفيذها في عام واحد فقط وافتتحت في أغسطس 2015، ومشروعات الطرق القومية بطول يتجاوز 7000 كيلومتر، وبرنامج تكافل وكرامة لدعم الأسر الفقيرة، وإصلاحات اقتصادية جذرية، شملت تحرير سعر صرف الجنيه المصري في نوفمبر 2016، ورفع تدريجي للدعم عن الوقود والكهرباء.

‫ورغم هذه الإنجازات، عانى المواطن المصري من آثار ارتفاع الأسعار والتضخم، ما أثار انتقادات واسعة، خاصة من الطبقات المتوسطة والفقيرة.

‫الولاية الثانية (2018 – 2024): تثبيت أركان الدولة

‫فاز السيسي بفترة رئاسية ثانية في 2018 أمام منافس رمزي، حيث حصل على أكثر من 97% من الأصوات، في انتخابات وُصفت بأنها ذات طابع "شبه استفتائي"؛ في هذه المرحلة، واصل السيسي مشروعاته التنموية، وبدأ التركيز على ملفات نوعية، مثل: مشروع "حياة كريمة" لتطوير القرى المصرية، وتوسيع شبكة مترو الأنفاق والقطارات الحديثة، بما في ذلك القطار الكهربائي الخفيف والقطار السريع، وبناء العاصمة الإدارية الجديدة، والتي تضم الحي الحكومي، ومباني الوزارات، والبرلمان، والبنك المركزي الجديد، إضافة إلى التوسع في التعليم التكنولوجي والجامعات الأهلية والدولية.

و‫على الصعيد السياسي، تم تعديل الدستور عام 2019 ليُمدد فترة الرئاسة من 4 إلى 6 سنوات، ويتيح للرئيس الحالي الترشح لولاية ثالثة.

‫السياسة الخارجية: توازن وواقعية

‫على الساحة الخارجية، تبنى السيسي سياسة متعددة المحاور؛ وذلك من خلال تعزيز العلاقات مع دول الخليج وخاصة السعودية والإمارات، وشراكات استراتيجية مع روسيا والصين في ملفات الطاقة والسلاح، وعلاقات متوازنة مع الولايات المتحدة وأوروبا، وقيادة مصر للاتحاد الإفريقي عام 2019، وإعادة الزخم للدور المصري في القارة السمراء.

وتعد ‫أزمة سد النهضة الإثيوبي أحد أبرز التحديات، إذ حاولت القاهرة عبر المسار التفاوضي والدبلوماسي تجنب التصعيد، دون التوصل حتى الآن إلى اتفاق ملزم بشأن تشغيل السد.

‫الولاية الثالثة (2024 – حتى الآن): بين التحديات والطموحات

‫في ديسمبر 2023، فاز السيسي بفترة رئاسية ثالثة، وسط تحديات اقتصادية كبرى تتمثل في ارتفاع الديون الخارجية، وتراجع قيمة العملة المحلية، وأزمة ارتفاع الأسعار والتضخم، وتأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية على الغذاء والطاقة.

‫ورغم هذه التحديات، لا تزال الحكومة تسعى إلى اجتذاب الاستثمارات الأجنبية، وتعمل على تعزيز القطاعات الإنتاجية مثل الصناعة والزراعة، بالإضافة إلى توقيع اتفاقيات مع صندوق النقد الدولي.

‫الجدل المستمر: ما بين الدعم والانتقاد

‫يحظى السيسي بدعم قطاع واسع يرى أنه أنقذ الدولة من الانهيار وحافظ على كيانها، وأن ما تحقق من مشروعات ما كان ليتم في وقت آخر؛ على الجانب الآخر، تنتقد منظمات حقوق الإنسان تراجع الحريات السياسية، وتقييد العمل المدني، وإغلاق المجال العام.

‫في المقابل، تشير الحكومة إلى أنها تواجه تهديدات أمنية حقيقية، وأنها منفتحة على الإصلاح السياسي والاقتصادي بشكل تدريجي.

‫عبد الفتاح السيسي هو بلا شك أحد أكثر الشخصيات تأثيرًا في تاريخ مصر الحديث، إذ جاء إلى الحكم في لحظة اضطراب سياسي وأمني، وقاد البلاد في مرحلة انتقالية محفوفة بالمخاطر، وبين من يراه باني الجمهورية الجديدة، ومن يعتبره رمزًا لحكم الفرد، يبقى دوره مفتوحًا على احتمالات متعددة، في بلد لا يزال يبحث عن التوازن بين التنمية والاستقرار، وبين الحرية والحفاظ على الدولة.