عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.

رفاعة رافع الطهطاوي.. رجل صنع التاريخ بعقل متفتح

تقرير

المراية

منى حامد

4/20/20251 دقيقة قراءة

في زمنٍ كانت مصر تصارع الجهل والتخلّف العلمي والفكري، برز رفاعة رافع الطهطاوي كشعلة تنوير غيّرت مسار الأمة.

لم يكن مترجمًا أو معلمًا فقط، بل كان فيلسوفًا رائدًا وجد في أوروبا علمًا يُنقل، وفي التراث هوية وتاريخًا يجب حفظه، وهو ما جعله من أوائل من أسّسوا النهضة العربية الحديثة.

وُلد رفاعة في قرية طهطا بمحافظة سوهاج عام 1801، لأسرة صعيدية متديّنة.

حفظ القرآن، وتلقى علوم الفقه والنحو في كُتَّاب القرية، ثم انتقل إلى القاهرة عام 1817 ليلتحق بالأزهر الشريف.

تتلمذ على يد الشيخ حسن العطار، الذي أثار فضوله نحو العلوم العقلية كالتاريخ والفلسفة، فبدأ يشق طريقًا مختلفًا عن أقرانه.

عام 1822، أصبح مدرسًا بالأزهر، لكن روح المغامرة دفعته لقبول منحة غيّرت مسار حياته، وهي السفر إلى فرنسا.

في عام 1826، اختاره محمد علي باشا ضمن بعثة طلابية إلى فرنسا، فحوّل المهمة إلى فرصة ذهبية.

تعلّم الفرنسية في عامين، ودرس العلوم السياسية والفلك، وقرأ لفولتير وروسو، ووثّق ملاحظاته في كتابه «تخليص الإبريز في تلخيص باريز»، الذي وصف فيه حضارة الغرب دون انبهارٍ أعمى، قائلاً:

«إن الأوروبيين تفوّقوا بالعلم، ونحن نملك روعة الأخلاق».

وأشار بعض المؤرخين إلى أن دوره كرئيس للبعثة كان رمزيًا، وأنه تعلّم مع الطلاب كواحد منهم، مستندين إلى مذكراته التي وصف نفسه فيها بـ"الطالب النهم".

عاد الطهطاوي إلى مصر عام 1831، حاملاً رؤية واضحة:

التعليم أولًا.

أسّس مدرسة الألسن عام 1835 لتدريس اللغات الأجنبية، وتحولت لاحقًا إلى كلية الألسن، وأشرف على ترجمة أكثر من 2000 كتاب في الطب والهندسة والقانون، محوّلًا العربية إلى لغة علم عالمية.

أسس جريدة "الوقائع المصرية" وجعلها أول جريدة عربية تنشر باللغة المحلية بدلاً من التركية، لتكون صوت الشعب.

ونادى بإنشاء متاحف لحماية الآثار من السرقة، ورسّخ فكرة أن الحضارة المصرية ملك للأجيال.

واجه مشروعه التنويري هجومًا شرسًا من التيار التقليدي، خصوصًا في عهد الخديوي عباس الأول، الذي رأى في أفكاره تهديدًا للسلطة. أُغلقت مدرسته عام 1849، وتم نفيه إلى السودان.

لكن حتى في المنفى، لم يتوقف عن العطاء؛ ترجم روائع الأدب الفرنسي مثل مسرحية «مغامرات تيليماك»، وعاد بعد سنواتٍ ليواصل مسيرته تحت حكم سعيد باشا.

توفي رفاعة رافع الطهطاوي عام 1873، لكن مشروعه باقٍ، وبعد أكثر من 150 عامًا على رحيله، ما زال يُذكر كأول مصري حديث نظر إلى العالم بعين ناقدة، جمعت بين الإيمان بالذات وانفتاح العقل.

كرمته مصر بتماثيل ومدارس تحمل اسمه، لكن الأجدر أن يُكرَّم بتحقيق حلمه:

أمةٌ تزدهر بالعلم والأخلاق.