صباح: الشحرورة التي غنّت للحياة حتى آخر نَفَس

"أنا عشت الحياة بحب، وما ندمت على شي... بس لو في شي بندم عليه، إنّي ما عشتها أكتر." – صباح

في عالم مثقل بالحزن والخذلان، بزغت صباح كصوت للفرح، كنغمةٍ عالية وسط ضجيج الحياة. كانت خفيفة الروح، قوية القلب، امرأة خرجت من الجبل لتسطع نجمة في سماء العرب لعقود طويلة.

من وادي شحرور... إلى قلب العالم العربي

وُلدت جانيت جرجس فغالي، المعروفة بـ"صباح"، في 10 نوفمبر 1927 بقرية وادي شحرور في لبنان. لم يكن أحد ليتوقّع أن الفتاة الصغيرة ذات الصوت الرنّان ستتحوّل إلى "الصبوحة"، الاسم الذي سيغيّر وجه الغناء العربي. منذ الطفولة، لفت صوتها الأنظار، وكان شقيقها أول من آمن بموهبتها، فسجّل لها أولى أغانيها للإذاعة اللبنانية وهي لا تزال مراهقة.

القاهرة... محطة المجد والخلود

جاءت القاهرة ففتحت ذراعيها لصباح، لتكون محطة انطلاقتها الكبرى. دخلت عالم السينما من أوسع أبوابه، ووقفت أمام عمالقة الشاشة: أنور وجدي، رشدي أباظة، عبد الحليم حافظ، فريد شوقي، ويوسف وهبي. مثّلت في أكثر من 80 فيلمًا، وغنّت باللهجة المصرية كأنها من قلب القاهرة. وكانت من أوائل المطربات اللبنانيات اللواتي نجحن في اختراق الذوق المصري، الأصعب فنيًا والأكثر تأثيرًا.

صوت لا يهدأ... وتجدّد لا ينتهي

غنّت صباح أكثر من 3000 أغنية، وتعاونت مع كبار الملحنين: محمد عبد الوهاب، بليغ حمدي، الأخوين رحباني وغيرهم. غنّت للحب، للفرح، للوطن، وحتى للأطفال. وفي كل مرحلة من حياتها، كانت تتجدد: في الشكل، في الأسلوب، في الأداء. فهمت أن سر البقاء هو التغيير، فظلت "العصفورة" التي لا تحبسها أقفاص الزمن.

إنسانة من لحم ودم... لا أسطورة مصطنعة

تزوّجت صباح سبع مرات، وعاشت تجارب حبّ متنوعة، لم تنجح كلّها، لكنها عاشت كلّها بقلب مفتوح. لم تخف من الشائعات ولا من النقد، وكانت تواجه الحياة بابتسامة مَن يعرف أن الغد يحمل أملًا جديدًا. رغم أضواء الشهرة، بقيت بسيطة، تضحك من قلبها، وتبكي حين تتألم. ولهذا أحبّها الناس... لأنها لم تكن فقط نجمة، بل كانت تشبههم.

الوداع الأخير... وبقاء الأغنية

رحلت صباح في 26 نوفمبر 2014، لكن صوتها لم يرحل. صوتٌ ما زال يهمس لنا كل صباح: "افتحوا الشباك... في شمس، في حب، في حياة." لم تكن مجرّد فنانة... صباح كانت طقسًا من طقوس الفرح، ومرآة زمن جميل، وحلم لا يُنسى.