عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.

صدام حسين: زعيم كاريزمي أم نرجسي مستبد؟

سلسلة تقارير : من كتب علم النفس .. حكايات الطغاة

باروميتر

دنيا عبدالفتاح

5/25/2025

دعا صدام حسين قيادات حزب البعث لاجتماع طارئ في قاعة الخلد ببغداد، وخلال الجلسة التي نُقلت على الهواء مباشرة، أعلن اكتشاف مؤامرة للانقلاب على الحكم، قبل أن يُخرج قائمة بأسماء 22 قياديًا من رفاقه في الحزب، أمر بإخراجهم من القاعة، وبعد دقائق فقط، دوى صوت الرصاص معلنًا تصفيتهم على الفور.

حادثة 22 يوليو 1979 لم تكن مجرد تصفية سياسية، بل كانت لحظة مفصلية كشفت ملامح شخصية الحاكم الجديد، وطرحت سؤالًا: هل نحن أمام حاكم نرجسي؟

يرى المحلل السياسي والطبيب النفسي الأميركي "جيرولد بوست" أن صدام حسين يُجسد النموذج الكامل للقائد النرجسي الاستبدادي، ووفقًا لتحليله لحادثة قاعة الخلد، فإن صدام لجأ إلى تضخيم المؤامرة لتبرير العنف، واستخدم القوة لصناعة هالة من الرهبة تجعله حاكمًا لا يُمس.

من هو الشخص النرجسي؟

يُعرّف اضطراب الشخصية النرجسية بأنه نمط دائم من تضخيم الذات والانشغال بخيالات النجاح والقوة والتفوق، مع شعور دائم بالاستحقاق للمعاملة الخاصة، غالبًا ما يعتقد الشخص النرجسي أنه فريد من نوعه ولا يمكن فهمه إلا من قِبل أشخاص مميزين مثله، ويتوقع معاملة استثنائية تليق بتفوقه المُتصوَّر.

ووفقًا للدكتور محمد المهدي، أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر، فإن صدام حسين نرجسي من الطراز الفريد، إذ جعلته كاريزماه ومشواره النضالي الطويل يشعر بأنه الأميز والأحق بحكم العراق.

تشير عدة دلائل إلى تضخم "الأنا" في شخصية صدام، فقد لقب نفسه بـ"الرئيس المهيب"، وهو لقب يعكس إحساسًا بالعظمة والسيطرة.

أدوات صدام في فرض السيطرة

كان يسير ببطء محسوب ليعطي إيحاء بالقوة، ويتكلم ببطء مقصود ليجعل الجميع منصتين له، وكأنه يُمهّد لجلال الكلمة وقوة التأثير، في حضوره، كان الجميع يقف؛ ليس مجرد بروتوكول، بل تجسيد لفكرة "الرئيس المهيب".

أما عن نسبه، فكان حريصًا على تقديم نفسه كحفيد للحسين بن علي، وأنه ينتمي إلى عائلة ذات أصل حسيني، بل إن والده كان يُلقب بـ"الحسن الصغير"، في إشارة تُعزز تفرده وسموّه.

يقول الدكتور محمد المهدي: "في حالة صدام، تجاوز الأمر مجرد النرجسية… لقد بلغ حد جنون العظمة، وهو أحد أشكال الفصام النفسي".

كيف تحدى العالم... وغرق في وهم الزعامة؟

كانت حرب الخليج مرآة لنرجسية صدام، التي بلغت ذروتها بقرار غزو الكويت عام 1990، في خطابه قبل الغزو، قال: "صحيح إن العالم ضدي، ولكن الله معي وسأنتصر"، رافضًا الانسحاب، ومتجاهلًا الواقع الدولي.

اعتبر نفسه قائدًا استثنائيًا مفوضًا بحماية الأمة، وتجاهل التحذيرات الدولية وتحدى تحالفًا عالميًا، متمسكًا بهالة الزعيم الذي لا يُهزم.

بحسب "جيرولد بوست"، فإن هذا القرار يعكس سلوك القائد النرجسي الذي يعاني من تضخم الأنا ويفسر العالم من خلال عدسات العظمة والمؤامرة، حتى لو كلف ذلك شعبه حربًا مدمرة.

من الطفولة إلى الحكم... جذور النرجسية في شخصية صدام

تشير الدكتورة سمر سيد، في كتابها "كيف حكم المرضى النفسيون العالم"، إلى أن من أبرز أسباب اضطراب الشخصية النرجسية هو التعرض للإيذاء النفسي في مرحلة الطفولة، ويتضح ذلك في نشأة صدام، الذي تعرض للعنف الجسدي على يد زوج والدته، وأُجبر منذ عمر الخامسة على رعي الغنم وبيع البطيخ، ما ترك أثرًا نفسيًا عميقًا ساهم في تشكيل شخصيته لاحقًا.

عظمة تقودها نرجسية... صدام من القمة إلى المحاكمة

في جلسات محاكمته بعد سقوط نظامه، بدا صدام رجلاً لا يتزعزع، واثقًا من نفسه، متمسكًا بصورة الزعيم القوي الذي لا يُقهر، قال: "أنا لم أخسر، والناس هم الذين خسروا لأنهم فقدوا قائدهم".

هذا الجانب يفسر الكثير من تصرفاته خلال سنوات حكمه، إذ كان يرى نفسه رمزًا فوق الجميع، يتحكم في مصير الدولة وشعبها بلا منازع.

فكيف يمكن لعظمة شخص أن تتحول إلى فخ نرجسي مدمر يتحكم في مصير شعب بأكمله؟

صدام حسين بالبدلة العسكرية
صدام حسين بالبدلة العسكرية