عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.
شادي عبدالسلام.. الرجل الذي رأى المستقبل
مقال
باروميتر
محمد أكرم
3/28/20251 دقيقة قراءة


في عام 1969، عُرض فيلم المومياء من إخراج شادي عبدالسلام، الفيلم الذي كُرِّم من مهرجانات دولية عديدة، تم منعه من العرض في دور السينما المصرية. كان هذا المنع لأسباب رقابية، حيث احتوى الفيلم على بعض الإسقاطات السياسية المثيرة للجدل، ولكنه عُرض في نهاية الأمر. وبعد أكثر من نصف قرن، يُرى الفيلم كأهم فيلم في تاريخ السينما المصرية والعربية، بل ويعتبره البعض واحدًا من أهم الأفلام في تاريخ السينما، لأنه لم يكن مجرد فيلم، بل كان آلةً زمنيةً ترى المستقبل وتسرد أحداثه.
تدور أحداث الفيلم حول ونيس وإدريس، ابني زعيم قبيلة الحَرَبات، والذي يتوفاه الله تاركًا وراءه سرًا عظيمًا لولديه، حيث اكتشف الولدان أن أباهما كان يسرق مقبرة جماعية مليئة بالكنوز الثمينة، هذا السر الذي سيغيِّر مسار حياتهما إلى الأبد.
يطرح شادي عبدالسلام، مخرج الفيلم، أسئلةً لطالما كانت مؤرقةً للمجتمع المصري: من نحن؟ وإلى أي هوية ننتمي؟ السؤال الذي يطرح نفسه بقوة عند الهزائم الكبرى. فنجد أن السؤال الذي طُرح بعد هزيمة عرابي، وبعد إخماد ثورة 1919، وبعد هزيمة 67، وبعد فشل ثورة يناير، هو نفسه: من نحن؟ ومن نكون؟ ومن هو صاحب الأرض؟ من معه حجة امتلاك تلك البلاد التي لطالما استعصت على شعبها؟
واحدة من أهم المعايير الفنية للفيلم المثالي هي وجود رمزية، وكلما كانت الرموز أكثر عمقًا، كان الفيلم أكثر تفردًا. وهذا ما يميز فيلم المومياء، حيث برع مخرجه شادي عبدالسلام في دسِّ رمزياته بكل سهولةٍ ويُسر، سواء في أحداث الفيلم أو الحوار أو حتى الديكور الذي صُوِّر فيه الفيلم، والذي صُوِّر معظمه في صحراء الصعيد الواسعة أو بين أنقاض معابد الأقصر قبل ترميمها. وكان طرح سؤال من نكون؟ واضحًا حينما جلس بطل الفيلم، ونيس، يبكي بين أطلال معابد أجداده بعدما عرف سرَّ أبيه، تائهًا، وحيدًا، والأهم من ذلك مهزومًا. لم يكن ونيس وحده المهزوم في تلك اللقطة، بل كانت رمزيةً أبدعها شادي عبدالسلام، معبرًا بها عن حالة المجتمع الجريح، الذي هُزِم وجلس يبكي على أطلال أجداده.
في عام 2011، اندلعت ثورة يناير التي كانت كفيضانٍ يأكل كلَّ ما في طريقه، الفيضان الذي أعاد إلى المصريين سؤالًا لطالما كان جوابه حكرًا على من يتحكمون في مقاليد الأمور: من يمتلك مصر؟ هل الشعب الذي ملأ كلَّ ميدانٍ وضحى بكل قطرةِ دمٍ في سبيل بلاده، أم الحكام الذين يمنّون عليه بأنهم يتقاسمون معه خيرَ تلك البلاد ويشترون له رغيفَ الخبز مدعومًا بعدة قروش؟ ظلَّ هذا السؤال مطروحًا عنوةً، ولكن المصريين فشلوا في الإجابة عنه، أو بمعنى آخر، اختاروا أن يأخذوا الرغيفَ مدعومًا بدلًا من الجواب.
ولكن ما لا يعلمه الكثيرون هو أن شادي عبدالسلام قد أجاب عن هذا السؤال المزعج في فيلمه. عندما سُئل ونيس هذا السؤال: من يملك المقبرة؟ هل عمه وزعماء قبيلته هم من يحق لهم الاستمتاع بخيرها، أم أن هذا الخير ليس حكرًا على أحد؟ وهذا ما طرح عليه سؤالًا آخر: إلى من ينتمي؟ إلى قبيلته وعائلته، أم إلى هذا البلد الذي يراه في أعين تماثيل المعابد القديمة؟ هل ينتمي إلى عمه، زعيم القبيلة الجديد، أم إلى صديقه الغريب الذي يتحدث بلغته نفسها ويشاركه الأرض ذاتها؟
هذا السؤال نفسه طُرح بعد ثورة يناير: إلى من ننتمي؟ إلى أفكارنا وأحزابنا، أم إلى تلك الأرض التي نشترك جميعًا في نيلها؟ في اللحظة التي اختار فيها الكثيرون من المصريين الانتماء إلى أفكارهم لا إلى أرضهم، خسروا معركة الحجة على الأرض، وذهبت الحجة إلى من لم يسأل كثيرًا، لكنه اختار أن يكون زعيم القبيلة الجديد.
ختم شادي عبدالسلام فيلمه بنهايةٍ يُجيب فيها البطل عن الأسئلة المؤرقة، بل ونجح في فرض إرادته على زعماء قبيلته الذين لم يتمكنوا من إيقافه. نجاحه كان متوقفًا على إجابته عن الأسئلة بشكلٍ صحيح، فاختار ونيس أن ينتمي إلى حطام أجداده لا إلى زعماء قبيلته، واختار أن يتقاسم الكنز مع أفندية القاهرة وصديقه الغريب وكل من يعيش على تلك الأرض. وبهذا، أوصل شادي عبدالسلام رسالته، التي مرادها أن المصريين لن يملكوا حجة هذه الأرض إلا بالإجابة عن الأسئلة التي طرحها في فيلمه بشكلٍ صحيح. وإلى أن يحدث ذلك، سيظل زعيم القبيلة يمتلك
الكنز وحده.