عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.
طريق الموت : حكايات علماء مصريين ماتوا في الظل
تقرير
أسرار
إحسان أسامة
6/11/20251 دقيقة قراءة


شهدت مصر عبر تاريخها الحديث نخبة من العلماء الذين أبدعوا في شتى مجالات العلوم، وأسهموا في رفع راية البحث العلمي، ليس فقط داخل الوطن العربي، بل على مستوى العالم. هؤلاء العلماء لم يكن لهم دور فقط في إثراء المعرفة، بل كان لهم أيضاً تأثير مباشر على قضايا الأمن القومي، والتنمية، والاستقلال العلمي، مما جعل بعضهم في مرمى الاستهداف والتهديد.
وفي ظل الصراعات الدولية، وتداخل السياسة مع العلم، أصبح من الواضح أن التفوق العلمي قد لا يكون مقبولًا في بعض الأحيان من قوى كبرى ترى في ذلك تهديدًا لمصالحها. ونتيجة لذلك، تعرض بعض العلماء المصريين للاغتيال في ظروف غامضة أو في حوادث تم وصفها رسميًا بأنها "عرضية"، لكن الشكوك والدلائل تشير إلى أنها كانت عمليات مدبّرة ومقصودة.
يركز هذا التقرير على مجموعة من العلماء المصريين الذين تم اغتيالهم بسبب إنجازاتهم العلمية أو توجهاتهم الوطنية، مثل الدكتور سمير نجيب، والدكتور نبيل القليني، والدكتورة سميرة موسى، وغيرهم ممن دفعوا حياتهم ثمنًا للعلم.
نبيل القليني
"طن واحد من اليورانيوم يعادل ملايين الأطنان من الفحم وملايين براميل البترول" — هذا الاستنتاج أُخفي صاحبه منذ عام 1975 وحتى يومنا هذا.
نبيل القليني عالم ذرة وعلوم ذرية مصري، أوفدته كلية العلوم في جامعة القاهرة إلى تشيكوسلوفاكيا للقيام بعمل المزيد من الأبحاث والدراسات في الذرّة. وقد كشفت الأبحاث العلمية الذرية التي قام بها عن عبقرية علمية كبيرة حققت شهرة واسعة وتحدثت عنه جميع الصحف التشيكية، وخاصة بعد توصله من خلال أبحاثه إلى أن موارد الأرض من الفحم والبترول محدودة، وعمر استهلاكها يتراوح من 63 إلى 95 عامًا. ومن واقع خبرته الواسعة في دراسة الذرة، والتي حصل على الدكتوراه فيها من جامعة براغ، أثبت أن طنًا واحدًا من اليورانيوم يعادل ملايين الأطنان من الفحم وملايين براميل البترول.
ولكن في صباح يوم الاثنين 27 يناير 1975، تلقى قليني اتصالًا هاتفيًا في شقته، وبعد أن خرج من منزله لم يعد من جديد حتى الآن. وبعد انتباه إدارة كلية العلوم جامعة القاهرة إلى انقطاع اتصالات قليني، أرسلت إلى نظيرتها في براغ تستفسر عن مصير الدكتور نبيل، فلم ترد الجامعة التشيكية. وبعد عدة مراسلات من جامعة القاهرة، ذكرت السلطات التشيكية أن العالم الدكتور القليني خرج من بيته بعد مكالمة هاتفية ولم يعد.
وهنا بدأت التساؤلات: كيف علمت الجامعة بالاتصال الهاتفي الذي تلقّاه العالم المصري في شقته قبل خروجه؟ هل تتوقع أن يكون دكتور نبيل القليني حيًا إلى يومنا هذا داخل إحدى السجون؟ أم قُتل وتم إخفاء جثمانه؟
سمير نجيب
قرار العودة لخدمة وطنه كان نهايته.
العالم سمير نجيب هو عالم ذرة مصري تخرج من كلية العلوم جامعة القاهرة وتابع أبحاثه العلمية في الذرة، وقبل أن يتجاوز سن الثالثة والثلاثين تم ترشيحه إلى الولايات المتحدة الأمريكية في بعثة، وأظهر نبوغًا مميزًا وعبقرية كبيرة خلال بحثه الذي أعده في منتصف الستينيات خلال بعثته، حيث فرغ من إعداد رسالته قبل الموعد المحدد بعام كامل.
وعندما أعلنت جامعة ديترويت الأمريكية عن مسابقة للحصول على وظيفة أستاذ مساعد بها في علم الطبيعة، تقدم لهذه المسابقة أكثر من مائتي عالم ذرة من مختلف الجنسيات، وفاز بها الدكتور سمير نجيب. ومن هنا بدأت رحلة أبحاثه الدراسية التي حازت على إعجاب الكثير وأثارت قلق الكثير، وبدأت تنهال عليه العروض المادية لتطوير أبحاثه وأيضًا لكسب ولائه. ولكن بعد حرب 1967 شعر أن وطنه بحاجة إليه وقرر العودة إلى مصر، وحجز مقعدًا على الطائرة المتجهة إلى مصر في 13/8/1967.
ولكن كما تعودنا من الغرب: إن لم تكن لنا، فلن تكون لغيرنا. فعندما أعلن الدكتور سمير عن سفره، تقدمت إليه جهات أمريكية كثيرة تطلب منه عدم السفر، وعرضت عليه الإغراءات العلمية والمادية، ولكنه رفض كل هذه الإغراءات. وفي ليلة سفره، فُوجئ أثناء قيادته لسيارته بسيارة نقل ضخمة تتعقبه، وزادت من سرعتها واصطدمت به، ولقي مصرعه على الفور.
سميرة موسى
أول عالمة نووية مصرية.
ولدت في محافظة الغربية، والتحقت بكلية العلوم جامعة القاهرة، ثم تعينت معيدة بنفس الجامعة بدعم من أستاذها الدكتور علي مصطفى مشرفة عميد كلية العلوم. ثم حصلت على درجة الماجستير في أطروحتها عن التواصل الحراري للغازات، وسافرت في بعثة إلى بريطانيا درست فيها الإشعاع النووي، وحصلت على الدكتوراه عن موضوعها في تأثير الأشعة السينية على المواد المختلفة.
حرصت الولايات المتحدة على تبني موهبتها وعرضت عليها التجنيس، لكنها رفضت وعادت إلى مصر، وأنشأت هيئة الطاقة الذرية، وعملت على تنظيم لقاءات دولية حول الطاقة الذرية وكيفية تسخيرها لخدمة الإنسان.
كانت سميرة موسى رافضة تمامًا للعيش في الخارج أو حتى الحصول على جنسية أي دولة أخرى، ولكن لم تكن ترفض الدعوات للمشاركة في المؤتمرات والندوات العلمية، وكانت آخرها إلى الولايات المتحدة في أغسطس 1952. فقد سافرت إلى كاليفورنيا الأميركية لزيارة معامل نووية هناك، وفي يوم 15 أغسطس 1952، كانت تقطع طريقًا وعرًا في مرتفع بكاليفورنيا، وسرعان ما فاجأتها سيارة من الاتجاه الآخر صدمتها وألقت بها في المنحدر. قُيدت هذه الواقعة ضد مجهول، ولم تظهر حقيقة ما جرى نهائيًا كما حدث مع كثير من العلماء من قبل.
لقد دفع عدد من العلماء المصريين ثمن تفوقهم العلمي وحبهم لوطنهم، فكان العلم بالنسبة لهم رسالة لا مجرد مهنة، وكان انتماؤهم لمصر دافعًا لرفض الإغراءات الأجنبية، حتى وإن كلفهم ذلك حياتهم. اغتيال هذه العقول اللامعة لم يكن مجرد خسارة لأشخاص، بل كان ضربة موجهة للتقدم والاستقلال العلمي لدينا. ومن المهم أن نعي أهمية حماية علمائنا ودعمهم، وأن نوفر لهم بيئة آمنة لمواصلة عطائهم دون خوف أو تهديد. فبهم تُبنى الأمم، وبعلمهم نخطو نحو المستقبل.