عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.
يوسف عوف.. حين تضحك الدراما ويبكي الضحك
تقرير
وداعا
منار تامر
4/28/20251 دقيقة قراءة


في مثل هذا اليوم من عام 1999، طوى الزمن صفحة رجل جعل من الكلمات عبارات ساخرة في مواجهة عبث الواقع، رحل عن عالمنا الكاتب الكوميدي والدرامي الساخر يوسف عوف، لكن بقيت كلماته حيّة، تقاوم النسيان، وتطل من بين السطور لتذكرنا أن السخرية ليست فقط فنًا، بل رسالة.
ولد عوف في 31 يناير 1930 بالقاهرة، وتخرج في كلية الزراعة عام 1950، لكنه لم يزرع القمح، بل زرع الفكرة، وصقلها بخفة دم مصرية خالصة. من فرقة "الدراويش" إلى برنامج "ساعة لقلبك"، ومن "مش معقول" إلى "عجبي"، ومن "ساكن قصادي" إلى "عالم عيال عيال"، قدم لنا يوسف عوف مرآة ساخرة للزمن، صافية، لكنها لا تجامل. لم يكن يوسف عوف يسعى للإضحاك من أجل الضحك، بل ليفتح النوافذ المغلقة في مجتمع يتراكم فيه الغبار على القيم؛ فكان يرى في السخرية ما لا يراه غيره، وكان يقولها ببساطة تجعلنا نضحك، ثم نفكر.
قال في أحد أشهر برامجه الإذاعية: "يعني هو لازم عشان تبقى مظبوط تمشي عكس الناس؟ ولا لازم تغلط علشان تحس إنك موجود؟ عجبي!" عبارة بسيطة، لكنها تلخص حالة التناقض التي يعيشها الإنسان وسط الزحام، حيث تصبح المعايير مقلوبة.
ومن مسلسل "ساكن قصادي" الذي جمع بين الدراما الخفيفة والنقد الاجتماعي الذكي، قال: "إحنا بنستحمل بعض طول الأسبوع، عشان نشتكي لبعض في الويك إند، دي اسمها جيرة مودرن!"
وهو القائل في كتابه الساخر "كرسي في الكلوب": "فيه ناس بتقعد على الكرسي، وفيه ناس بتكون هي الكرسي، بس المهم ما تبقاش الكلوب نفسه!" في هذا التلاعب اللفظي العميق، يكشف يوسف عوف عن عبثية بعض المواقع والمناصب، ويسخر من أولئك الذين أصبحوا مجرد أدوات.
وفي إحدى فوازيره، التي عُرفت بخفة ظلها وذكائها الاجتماعي، كتب: "اللي ياخد وما يديّش، يبقى كأنك بتكلم الحيط، والحيتان كترت!"
أما عن فلسفته في الكتابة، فقال في أحد لقاءاته الصحفية: "السخرية مش ضحك وخلاص، دي بتعري الحقيقة، وتلبسها لبس خفيف علشان الناس تقدر تستحملها."
يوسف عوف لم يكن مجرد كاتب، بل كان "مُصلحًا اجتماعيًا ساخرًا"؛ استخدم الفن ليعبر عن صوت المواطن العادي، وعن أحلامه الصغيرة ومشاكله الكبيرة. كتب عوف للتلفزيون والسينما والمسرح والإذاعة، وترك ما يزيد على 48 عملًا متنوعًا ما بين فوازير، مسلسلات، أفلام، ومؤلفات أدبية ساخرة، ولعل من أبرزها: "كرسي في الكلوب"، "مش معقول"، "عجايب"، "حيجننوني"، "هموم ضاحكة".
تزوج من الفنانة خيرية أحمد، بعد أن جمعتهما قصة حب عبر برنامج "ساعة لقلبك"، وأنجبا ابنهما الوحيد كريم، وبعد وفاته غابت خيرية أحمد لفترة طويلة عن الساحة، كأنها كانت تحزن بصمت على رفيق دربها.
مرت السنوات، لكن الضحكة التي أطلقها يوسف عوف في وجوهنا لم تمت، لأنها كانت صادقة، لأنها كانت من القلب، ولأنها ببساطة كانت تحمل بين طياتها حبًا حقيقيًا لهذا الوطن، وهذا الشعب. رحل يوسف عوف؛ لكن أعماله بقيت تؤنس وحدتنا وتكشف لنا كم نحن في حاجة إلى من يضحكنا بصدق، وينتقدنا بحب، ويبكينا ونحن نضحك.