عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.

صرامة بدافع الحب.. مشاعر الأمومة المتناقضة بين فاطمة تعلبة وجين يونغ سون

باروميتر

ندى يونس

3/21/20251 دقيقة قراءة

في الدراما، غالبًا ما تُصوَّر الأم في صورتين متناقضتين: إما الحنونة المتفانية التي تفيض بالعاطفة، أو الصارمة المتسلطة التي تتحكم في مصائر أبنائها. لكن هناك نوعًا ثالثًا أكثر تعقيدًا: الأم التي تجمع بين القسوة والطيبة في آنٍ واحد، وهي التي تتخذ قرارات صارمة بدافع الحب والخوف على أبنائها.

هذا التناقض العاطفي يظهر بوضوح في شخصيتي فاطمة تعلبة من المسلسل المصري الوتد وجين يونغ سون من الدراما الكورية The Good Bad Mother. كلتاهما أم قوية، تحملت مسؤولية أبنائها بمفردها بعد غياب الأب، واتخذت قرارات قاسية بدافع الحب والحماية. لكن هل كانت قسوتهما مبررة؟

فاطمة تعلبة، المرأة الصعيدية التي حكمت منزلها بقوة الشخصية ووضوح الرؤية، لم تكن صرامتها مجرد وسيلة للسيطرة، بل كانت نتاج بيئة قاسية لم تعرف فيها المرأة شعور التردد أو الضعف. حملت على عاتقها مسؤولية بقاء عائلتها متماسكة، مؤمنة بأن الانضباط هو الحصن الوحيد الذي يحمي أبناءها من التفكك. لم يكن حبها لأبنائها يُقال بالكلمات، بل تجسد في أفعالها؛ في القرارات الصعبة التي اتخذتها، وفي حرصها على أن يظل اسم العائلة مصونًا.

ومن المشاهد التي تعكس شخصية فاطمة تعلبة بوضوح كان بينما تواجه أبناءها وتقول: "البيت اللي ملوش وتد، أول ريح تهده، وأنا الوتد اللي بيشيلكم كلكم، مش عشان قاسية، لكن عشان الدنيا ما ترحمش الضعيف". هذه الجملة تلخص فلسفتها في الحياة بأن الصرامة هي الدرع الوحيد لحماية عائلتها.

على الجانب الآخر، نجد جين يونغ سون، التي شكلت صرامتها ابنها الوحيد لتجعله رجلًا قادرًا على النجاة في عالم لا يرحم. لكنها، على عكس فاطمة، رأت في التفوق الدراسي والسعي للنجاح طريقًا للهروب من الفقر والخذلان. قسوتها لم تكن بدافع الحفاظ على العائلة فقط، بل كانت محاولة لتجاوز الألم الذي عايشته هي شخصيًا بعد موت زوجها مبكرًا؛ فكل قرار اتخذته حمل بداخله خوفًا من أن يختبر ابنها ما اختبرته هي.

رغم اختلاف السياقات الثقافية والاجتماعية، إلا أن كلتا الأمين اشترطت الحب بالطاعة والامتثال. في أعينهن، الحب ليس فقط دعمًا عاطفيًا، بل هو سلسلة من الأوامر والتوجيهات التي ينبغي على الأبناء الالتزام بها لضمان مستقبل آمن. لكن هذه المعادلة لا تخلو من الأثر العكسي؛ فكما بنت الصرامة أبناء أقوياء، خلقت أيضًا مساحات من الجفاء والانفصال العاطفي.

فاطمة تعلبة لم تدرك أن خوفها المفرط على أبنائها حرمهم من فرصة اتخاذ قراراتهم الخاصة.

بينما جين يونغ سون، في اللحظات الأخيرة، رأت أن قسوتها جعلت ابنها غريبًا عنها. وقد ظهر ذلك من خلال مشهد المواجهة بينها وبين ابنها بعدما فقد ذاكرته، حيث يحمل هذا المشهد دلالات عميقة. رغم قسوتها السابقة، بدأت تبحث عن الفرصة لتكون أمًا حنونة من جديد، فتقول له بحزن:

"لم أكن أريدك أن تكرهني، لكنني اخترت أن أكون الأم القاسية حتى لا تصبح ضعيفًا."

هنا، الاعتراف بحقيقة مشاعرها يكشف عن التناقض الذي كانت تعيشه، وأن صرامتها كانت قناعًا لإخفاء حبها العميق وخوفها من أن يفشل ابنها في مواجهة الحياة.

ورغم ذلك، فإن كلتا الشخصيتين أثبتتا أن الحب، حتى في أقسى صوره، يظل حاضرًا، يختبئ خلف الأوامر الصارمة والنظرات الجادة.

وفي النهاية، تجسد كل من فاطمة تعلبة وجين يونغ سون صورة الأم التي تحمل في قلبها مزيجًا من الحب والخوف، الحنان والصرامة. كلتاهما اختارت أن تكون الدرع الذي يواجه به أبناؤها قسوة العالم، حتى وإن بدا ذلك في صورة قسوة أشد. لكن ما يجمعهما ليس فقط الصرامة، بل الإيمان العميق بأن الحب أحيانًا لا يحتاج إلى كلمات، بل يظهر في القرارات الصعبة والتضحيات الصامتة.

ومع مرور الوقت، تتضح الحقيقة الأكثر عمقًا؛ ليست الصرامة نقيضًا للحب، بل هي أحد أوجهه حين تسعى الأم لتشكيل حياة أفضل لأبنائها.